العقل عقلان... أول قل: مجانين العقلاء، وعقلاء المجانين
بعض المجانين تراهم يتصرفون بهديٍ وينطقون بحكمة، كأن ترى أحدَهم يسب أناس ظاهرهم السوء فتعلم أن هذا مجنون قَدْ فَقََدَ عقله.. في اللحظة يمر به شخص ذو سمت صالح فإذا به يتودد إليه ويتمسّح بلحيته أو يطلب منه الدعاء. فتقول: أين ذهب عقله هناك، وكيف جاء هنا؟ بل تقول عن تلونه جنون وعن وجاهة تصرفه عقل!
في المقابل ترى بعض العقلاء-من غير المجانين- يتصرفون تصرفات- قولية وفعلية- ما يدلك على أنه لا عقل له إطلاقًا، فيورد نفسه المهالك الظاهرة للعيان، ويجر على غيره الويلات التي لا يقع فيها (أقحاح) المجانين، بل عجموات البهائم.. إذ لها عقل غريزي معيشي تُصرِّف به دهرها!
يقول ابن القيم رحمه الله: (والعقل عقلان عقل غريزة وهو أب العلم ومربيه ومثمره وعقل مكتسب مستفاد وهو ولد العلم وثمرته ونتيجته فإذا اجتمعا في العبد فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء واستقام له أمره وأقبلت عليه جيوش السعادة من كل جانب وإذا فقد أحدهما فالحيوان البهيم أحسن حالا منه وإذا انفرد انتقص الرجل بنقصان احدهما ومن الناس من يرجح صاحب العقل الغريزي ومنهم من يرجح صاحب العقل المكتسب والتحقيق أن صاحب العقل الغريزي الذي لا علم ولا تجربة عنده آفته التي يؤتى منه الإحجام وترك انتهاز الفرصة لان عقله يعقله عن انتهاز الفرصة لعدم علمه بها وصاحب العقل المكتسب يؤتى من الإقدام فان علمه بالفرص وطرقها يلقيه على المبادرة إليها وعقله الغريزي لا يطيق رده عنه فهو غالبا يؤتى من إقدامه والأول من إحجامه فإذا رزق العقل الغريزي عقلا ايمانيا مستفادا من مشكاة النبوة لا عقلا معيشيا نفاقيًّا يظن أربابه أنهم على شيء ألا إنهم هم الكاذبون فإنهم)[مفتاح دار السعادة:1/ 117].
فترى أناسًا في دنيا الناس من أصحاب العقول المعيشية، التى لا يحسنون بها أكثر من دبير الشهوتين!!
وإلا فإن في بني الحيوان البهيمي من يتمتع بذكاء (غريزي) أكثر مما عند كثير من بين آدم، وإن في بني الحيوان البهيمي من قوة الحفظ أكثر مما عند طثير من بين آدم، وإن فيها من الاقتداء(والتقليد) أكثر مما هو عند كثير من بني آدم.. وهو مجرد غرائز!!
فكن صاحب عقل وقع به التكريم، وإلا كان المرء {كالأنعام، بل هم أضل}، لماذا؟ لأن {لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ}[الأعراف:179]